مركز الوسيلة الثقافي

أهلا وسهلا بك في منتدى الوسيلة الثقافي
للإنضمام لأسرتنا المتواضعة
نرجو منك التسجيل
وإن شالله بتقضي أوقات حلوة ضمن صفحات الموقع

ملاحظة هامة:
عند التسجيل ستصلك رسالة لتفعيل عضويتك
على الـ E-mail الذي سجلت به
وقد تكون الرسالة في صندوق البريد المهمل (Junk)


إدارة مركز الوسيلة الثقافي
مركز الوسيلة الثقافي

أهلا وسهلا بك في منتدى الوسيلة الثقافي
للإنضمام لأسرتنا المتواضعة
نرجو منك التسجيل
وإن شالله بتقضي أوقات حلوة ضمن صفحات الموقع

ملاحظة هامة:
عند التسجيل ستصلك رسالة لتفعيل عضويتك
على الـ E-mail الذي سجلت به
وقد تكون الرسالة في صندوق البريد المهمل (Junk)


إدارة مركز الوسيلة الثقافي
مركز الوسيلة الثقافي
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.


منتدى الوسيلة الثقافي .. وسيلتك للتميّز والإبداع
 
الرئيسيةالبوابةالمجلةمن نحنأحدث الصوردردشةالطقسالتسجيلدخول

 

 من خذل حيفا في حرب 1948 - حمود يزب

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
TA_SH
عضو ذهبي
عضو ذهبي
TA_SH


ذكر

الجدي التِنِّين
عدد المشاركات : 1399
نقاط النشاط : 9561
السّمعَة : 35
الدولة/المديـنة : فلسطين يافا
العمل/الدراسة : مصمم ازياء
العمــر : 35
فلسطين
فرحان
من خذل حيفا في حرب 1948 - حمود يزب Left_bar_bleue50 / 10050 / 100من خذل حيفا في حرب 1948 - حمود يزب Right_bar_bleue


من خذل حيفا في حرب 1948 - حمود يزب Empty
مُساهمةموضوع: من خذل حيفا في حرب 1948 - حمود يزب   من خذل حيفا في حرب 1948 - حمود يزب Ouo10الثلاثاء يناير 04, 2011 6:51 pm



رشيد الحاج إبراهيم، كاتب المذكرات التي بين أيدينا، ممكن وصفه وبحق بأنه زعيم حيفا خلال فترة الانتداب وقائد مقاومتها قبيل النكبة. قاد الجمعية الإسلامية في المدينة وكان من أكثر الشخصيات الحيفاوية حراكاً في الساحة السياسية خلال فترة الانتداب. أصدر سنة 1924 صحيفة اليرموك، الصحيفة اليومية الوحيدة في حيفا، والتي دامت حتى سنة 1933. أنتخب سنة 1928 رئيساً لجمعية الشبان المسلمين في حيفا، وفي سنة 1932 خلفه الشيخ عز الدين القسّام، الذي استمر في رئاستها حتى استشهاده سنة 1935. ومن خلال موقعه في الجمعية الإسلامية وثّق صلاته بالجماعات الإسلامية وكان من أكثر المطلعين على نوايا وأعمال القسّام. وانتخب رشيد الحاج إبراهيم عضوا في اللجنة العليا لصندوق الأمة، وكان من مؤسسي حزب الاستقلال. وانتخب سنة 1934 عضوا لمجلس بلدية حيفا, ولاحقاً قاد اللجنة القومية في حيفا.

إن نشر مذكرات رشيد الحاج إبراهيم أظهر من جديد مدى حاجة الرواية التاريخية الفلسطينية لهذا النوع من المنشورات التي تنتقد الذات، وتعرض الواقع من منظور ذاتي. وعلى الرغم من الإشكاليات الناتجة عن محدودية الرؤيا والمواقف الدفاعية والأحادية الجانب لرواية التاريخ من خلال المذكرات، تبقى المذكرات من أهم المصادر للرواية التاريخية. وهذه المذكرات بالذات تقدم للقاريئ رواية تخلو من الأساطير والبطولات الوهمية وتنقلنا إلى أرض الواقع لنتحسس مواضع ضعفنا وأسباب إخفاقنا. ومذكرات رشيد الحج إبراهيم تبرز اللمسة الشخصية، والتركيبة النفسية لصاحبها، كما تبرر القرارات وتفند السياسات بأساليب لا توفرها الوثائق الرسمية. وصاحب المذكرات يروي ويحلل ويستذكر الأحداث من خلال ذاكرته، وينتقي ما يرعب بروايته حسب أهوائه وظروفه. وبالنسبة للتأريخ الفلسطينيي، فإن النكبة وما واكبها من دمار للبنى الإنسانية والاجتماعية والثقافية من ناحية، وما رافقها من دمار فعلي وهدم وحرق لمعظم المؤسسات التي حوت وثائق فلسطينية، غيّبت الرواية الفلسطينية المحلية لغياب الأرشيفات الفلسطينية المحلية التي بعثرت ودمرت محتويتها. فالباحث في التاريخ الفلسطيني، وخاصة في الفترة التي سبقت النكبة مباشرة أو أحداثها يواجه شبه استحالة في العثور على الوثيقة التاريخية المنظمة ليروي من خلالها رواية أكاديمية تعتمد على دراسة ومقارنة وتحليل وثائق الحدث الواحد من مصادر متعددة. وفي ظل هذا الواقع، تتعاظم أهمية المذكرات كمصدر لتتبع الأحداث كما شاهدها ورواها من كان بموقع المسؤولية في تلك الأيام. وبينما نجد وثائق الرواية الصهيونية محفوظة ومصانة، ومفهرسة في مجموعات متكاملة، وكذلك رواية الحكومة الانتدابية، يتعذر على الباحث الاستعانة بالوثائق الفلسطينية لغيابها بسبب ما ذكر أعلاه. وهكذا تعظم دور المذكرات بوصفها مصدر أولّي لسرد الأحداث أو لعرض التصور والفهم الذي بنيت على أساسه سياسة القادة الفلسطينيون قبل النكبة.

من الطبيعي أن نقرأ المذكرات بحذر شديد، كما نفعل حين ندرس الوثائق الأرشيفية. وقراءة مذكرات رشيد الحاج إبراهيم تتطلب كذلك العناية والحذر الشديدين، فصاحبها يصارحنا القول بأنه دوّنها "[معتمداً] على الذاكرة وعلى مفكرات الحوادث اليومية... [و] على قصاصات من الورق بقيت في محفظتي ... بعد أن بارحت حيفا في الثامن من شهر نيسان 1948."1 ففي ذلك اليوم خرج من بيته الكائن في حي الحليصة في حيفا متجها إلى مصر للقاء الحاج أمين الحسيني لتدارس ما آلت إليه الأوضاع في مدينة حيفا ولتنسيق العمل فيما بينهما. وخلال وجوده في القاهرة بلغه خبر وفاة ابنه في بيروت، فاتجه إلى هناك حيث قام بواجبه نحو ولده ومن ثم سافر إلى دمشق ليؤمن الأسلحة والمحاربين لحامية حيفا. وبعد إنهاء مهمته في دمشق غادر ثانية لمصر في 21 نيسان لتنسيق الجهود مع المفتي ولتدارك الخلافات، "وفي غضون ذلك سقطت حيفا وكانت النهاية".2 وينوّه صاحب المذكرات بأن بعض "الأخوان قد يجدون في صراحتي ما يؤلمهم ويؤلم غيرهم، ولكن لا بد من هذه الصراحة لأنه كان في مجاملاتنا السابقة لهم مسؤولية تضاف إلى المسؤوليات الكبرى التي تحملها الزعماء والقادة في الجولة الأولى".3

مذكرات رشيد الحاج ابراهيم تسد فراغاً مفزعا ًفي رواية ما حدث في حيفا قبيل سقوطها، والتي لم يبق فيها بعد النكبة لا أرشيفاً ولا وثائق لأي من المؤسسات العربية التي كانت هنا، ماعدا سجلات المحكمة الشرعية وبعض سجلات المجلس البلدي التي لا تتعرض لأي من أحداث النكبة. لقد حرقت البيوت والمؤسسات ونهبت ودمرت مع رحيل أهلها. ومصير الوثائق الشخصية والأوراق العائلية ووثائق المؤسسات الأهلية لم يكن أحسن حظا من مصير البيوت وساكنيها. ولم يبق من سكان حيفا العرب الذين تجاوز عددهم الأربعة وسبعون ألفاً قبل النكبة، إلا ألفان وخمسمائة شخص. ومثلما فرّغت المدينة من ساكنيها، أفرغت كذلك من أوراقهم التي قد تروي بعضاً من أحوالهم. وفي هذا المضمار تأتي مذكرات رشيد الحاج ابراهيم لتروي بعضا من معاناة الحيفاويون قبيل الشتات. والكثير من المعلومات التي أوردها كاتب المذكرات لم تسجل في أيّ مصدر قبل أن رأت النور في هذا الكتاب.

قسّم رشيد مذكراته لثلاثة أبواب. تناول في الباب الأول بالتسلسل الزمني أحداث حيفا خلال الأشهر الخمسة التي سبقت سقوطها ودوره في قيادة المقاومة فيها. وفي هذا الباب بالذات تكمن أهمية هذه المذكرات التي تجعل منها قيمة مضافة. وجعل الباب الثاني مزيجا من لمحات ومقاطع عن تطورات القضية الفلسطينية عامة ونشاطه السياسي في حيفا حتى سنة 1947. أما الباب الثالث فتناول الحرب النظامية بين إسرائيل والجيوش العربية من 15 أيار 1948 حتى اتفاقات الهدنة سنة 1949. إن الباب الأول يشكل قلب المذكرات والوثيقة التاريخية الأهم. فهذا الباب يسرد الوقائع من خلال موقع الكاتب القيادي، ويروي الأحداث التي قادها وصنعها أو كان شاهد عيان على حدوثها. إن مقدمة الكتاب التي دونها الأستاذ وليد الخالدي نظمت الأفكار ووضعت الوقائع ضمن سياقها التاريخي مما جعل قراءة المذكرات أكثر سهولة وسلاسة. ومذكرات رشيد الحاج إبراهيم لا تروي فقط قصة سقوط مدينة حيفا، بل تروي أيضاً أسباب وكيفية إخفاق القيادات الفلسطينية والعربية أمام التحدي الصهيوني. وبهذا المعنى، فهذه المذكرات تفيد الباحث المختص بالنكبة:ما تفيد القارئ العربي الراغب بمراجعة واقع أمته. والمراجعة التالية للكتاب تتعرض بالدرس لأخبار هذه الحقبة بالأساس.

يفتتح رشيد الحاج ابراهيم مذكراته باعترافه: "أريد أن أسجل إننا خضنا المعركة الفاصلة على غير استعداد ... وأن المسؤولية في أساليبنا المرتجلة وفي عدم تهيئنا واستعدادنا إنما تقع على عاتق الهيئة العربية العليا وزعماء عرب فلسطين".4 ويستمر قائلاً "من الحق أن نسجل للتاريخ أن هؤلاء القادة والزعماء [وهو ضمنهم] تقدموا للقاء الخصم أشتاتاً ... وأنهم كانوا في عالم من الوهم والخيال بعيد عن واقع أمتهم وواقع قضيتهم، فكانت الأعمال التي تصدر عنهم... في صالح العدو...[و] أوقعت عرب فلسطين في الكارثة ... وشتت منهم الشمل والأهل".5 ففي هذا المقام وفي صفحات الكتاب يعود الكاتب مراراً لمثل هذا النقد الذاتي، فهو لايتهم ألآخرين فقط بالفشل، بل لا يعفي نفسه كذلك من المسؤولية. وكما نعلم لا تزخر أدبيات القيادة الفلسطينية السياسية والعسكرية بمثل هذه الصراحة والجرأة لعرض النفس أمام محكمة التاريخ. وأما بالنسبة لمسؤولية الدول العربية عمّا جرى لشعب فلسطين في نكبته، فيقرر أن "الدول العربية مسئولة في الدرجة الثانية ... فلم تتقدم منفردة ولا مجتمعة لتوجيه عرب فلسطين ومعاونتهم ... وبذلك تكون الدول العربية قد مكنت اليهود من احتلال بقية البلاد".6

الباب الثاني من المذكرات يشمل سردا لمراحل القضية ويتحدث عن "مقدمات النكبة والمسببين لها".7 فهذا الباب يشكل مدخلا للباب الأول الذي يسرد وقائع الأحداث في حيفا حتى سقوطها. ومن الأمور اللافتة للنظر ما يورده بشأن الحركة القسامية التي انبثقت عن جمعية الشبان المسلمين. "[و] لم يكن من زعماء البلاد ووجهائها من يعلم من أمر هذه الحركة عدا القائمين بها وغيري شخصياً".8 طمح الكثير من الوجهاء والزعماء بعد استشهاد القسّام تجيير ثورته لصالحهم. وقد تراكضت الفعاليات السياسية في حيفا مدعومة وموجهة من قياداتها القطرية لتنظيم و"تزعّم" حفل تأبين الشيخ القسّام. ونتيجة للخلاف الذي برز بين هذه القيادات أجري احتفالان لتأبين القسّام: "حفلة الزعامة" و"الحفلة الشعبية ... التي أقمناها باسم أخوان القسام ومريديه".9

وخلال أحداث الثورة العربية ألقي القبض على رشيد الحاج ابراهيم مثلما حصل لمعظم أعضاء اللجنة العربية العليا وتم نفيهم إلى جزيرة سيشل. وفي معرض تقييمه لثورة 1936 ونتائجها، يقول "إن التوجيه الخاطئ [للثورة] جرّ البلاد لحرب أهلية أضاعت الكثير من ألأرواح وهدرت الكثير من الأموال".10 ويلخص رشيد موقفه من هذه الثورة قائلاً: "ولا أدري متى يجد العرب في أمتهم باحثين، ناقدين، لهم من الجرأة والصراحة ما يمكنهم من دراسة المآسي التي تعرضت لها البلاد في الثورة المذكورة ووصف نتائجها المحزنة التي جرّت امتنا للمعركة الفاصلة وهي مشلولة القوى، متهدمة البنيان، مقوضة الأركان".11

إن توقف الثورة وغياب المفتي عن الساحة المحلية وحل اللجنة العربية العليا وبدء الحرب العالمية الثانية، هذه الأسباب مجتمعة أحدثت شللا في الحركة السياسية العربية في فلسطين. ويخبرنا رشيد بأنه أراد تحريك هذه الحركة عن طريق تأليف هيئات سياسية جديدة. إلا أن القوى الموالية للمفتي عارضت هذه المبادرة وأفشلتها. وحين عودة المفتي من أوروبا إلى مصر سنة 1946، عمل رشيد كل ما في وسعه لإقناعه بضرورة تشكيل الهيئة العربية العليا. وهنا يظهر الخلاف جليا ما بين رشيد الحاج ابراهيم وسياسات المفتي التي عملت، ومنذ اللحظة الأولى لعودته على شرذمة الصف الفلسطيني، كما يدعي رشيد.12 وفي "ظل اشمئزاز الناس منها [الهيئة العربية العليا] ... أعلنت بريطانيا في شباط 1947 عزمها على التخلي عن الإنتداب ورفع القضية الى هيئة الأمم المتحدة."13

وبعد أن يتعرض بالنقد اللاذع لسياسات المفتي، وخلال موجة من الغضب العارم، يصف الحاج أمين الحسيني بقوله: "بعد أن لمع اسم الحاج أمين كزعيم من الزعماء المرموقين تغلبت عليه الأنانية ويا للأسف الشديد".14 وبعد أن حمّل صاحب المذكرات المفتي مسؤولية كبرى لضياع البلاد عامة وحيفا خاصة، يقرر: أن الهيئة العربية العليا لم توفر إلا مبالغ زهيدة لحيفا لتأليف حامية حيفا ولشراء السلاح والعتاد. وهنا يعلن، "أن هذا ما يجب أن يعرفه الناس قبل أن يتساءلوا لماذا وكيف سقطت حيفا ... ولولا المساعي التي بذلتها شخصياً مع حضرة رئيس جمهورية سورية والفريق السيد طه الهاشمي للحصول على السلاح والعتاد ولولا مساعينا في اللجنة القومية لبقي سلاحنا في حيفا في مدى خمسة أشهر من الكفاح العصي والحجارة وبعض المسدسات العادية".15

أما بالنسبة لتسلسل الأحداث خلال الفترة الحرجة التي تلت قرار التقسيم في 29 تشرين ثاني 1947 يروي صاحب المذكرات الأحداث كالتالي: بعد أن أقرت هيئة الأمم قرار التقسيم، أذاعت الهيئة العربية العليا في 1 كانون أول بيانا مقتضباً استنكرت فيه قرار التقسيم ودعت فيه إلى الإضراب الشامل لثلاثة أيام. وأعلنت الدول العربية أنها ستتدخل فور انتهاء الانتداب رسمياً في 15 أيار 1948، لتقضي على العصابات الصهيونية، وتنقذ فلسطين. والى أن يحين ذلك التاريخ فان مهام الدفاع عن العرب ستكون من اختصاص اللجنة العسكرية التابعة لجامعة الدول العربية والهيئة العربية العليا. وحتى يحين انتهاء الإنتداب لم يكن بد من التهيؤ للصمود في وجه العدو المزود بالسلاح والعتاد. ومن أجل ذلك ألفت اللجان القومية في المدن والقرى وهبت لطلب السلاح والإنخراط في الحرس المحلي العامل تحت اشراف اللجان القومية. وفي الوقت نفسه أعلنت جامعة الدول العربية عن عزمها على تأليف جيش الإنقاذ من المتطوعين العرب. ولمقاومة التقسيم في الفترة الواقعة ما بين 30 تشرين ثاني 1947 و 15 أيار 1948 كان يقف أمام العدو:

1. الحرس المحلي المفتقر إلى التدريب والتنظيم والتدريب والسلاح والعتاد.

2. جيش الإنقاذ الذي ضبطته اعتبارات مسايرة الظروف السياسية لبعض الدول العربية في هجومه وإحجامه.

3. قوات الهيئة العربية العليا ومجندوها المفتقرون إلى السلاح والعتاد والتنظيم والتدريب.

في يوم 2 كانون أول تشكلت اللجنة القومية في حيفا برئاسة صاحب المذكرات. كما وعهدت اللجنة إليه باختيار لجنة لأعمال التسلح. "ولما جاء دور العمل في اللجنة القومية نفسها، وقفنا أمام عقبات كان منها رغبة رئيس الهيئة العربية العليا في أن يفرض علينا أشخاصاً للتعاون معهم والعمل إلى جانبهم فرضاً ... وبقيت العقبات تتزايد أيضاً كأنما قصة الخطر قصة ثانوية لا تستحق عناية المسئولين بمقدار ما تستحقه من عناية توافه الأمور وصغائرها".16

وفي ليلة السابع من كانون الأول 1947 شنت القوات اليهودية أول هجماتها المنظمة ضد الأحياء العربية، ولم يملك العرب شيئاً من الأسلحة لصد الهجوم. ولتدارك الخطر تمّ العمل على تشكيل حامية حيفا العربية التي تم اختيار أفرادها من الجنود العرب المسرحين، ليلقى على عاتقها ردع هجمات القوات اليهودية. وبعد أن تم تشكيل حامية المدينة، اقترح رشيد "أن يتمثل قضاء حيفا في اللجنة لضمان الاشتراك في العمل وحرصاً على وحدة الصفوف".17 وفي هذا المجال يدعي رشيد بأن بعض قرى القضاء رفضت ذلك الاقتراح بإيعاز من المفتي، مما أضعف من موقف القيادة المحلية ومنع قيام قيادة موحدة للمنطقة. وفي هذا المجال يؤكد رشيد "كنا ... نتوسل بالسماح لنا لإكمال تنظيمنا [المحلي] ... ولكنا لم نكن لنصل إلى أية نتيجة ذات قيمة".18 وفي ظل غياب مقاومة عربية تذكر، اشتد الهجوم اليهودي على الأحياء العربية في الفترة ما بين 8-12 كانون أول 1947وسقط ثلاثون شهيدا وجرح العشرات. نتيجة لذلك "نشطت حالة النـزوح عن المدينة بشكل مرعب مخيف".19

في هذه الأثناء وخلال أجواء الرعب التي عاشتها حيفا خلال الأيام الأخيرة يستذكر صاحب المذكرات حدثاً هاماً لم تشر إليه المصادر التي بين أيدينا. فخلال جلسة اللجنة القومية المنعقدة مساء الحادي عشر من كانون أول 1947 "حضر الحاج طاهر قرمان عضو لجنة بلدية حيفا ونائب رئيسها [اليهودي] وقال ... جئتكم بمهمة أريد أن أحدثكم عنها في جلستكم هذه، وهي أن رئيس لجنة البلدية، شبطاي ليفي، استدعاني وعرض علي أن أوقع معه بياناً بدعوة سكان حيفا للهدوء والسكينة وعدم إطلاق النار وقال لي أيضاً أنني كممثل للطائفة اليهودية للتفاوض مع أي هيئة عربية بحيفا على أي أمر يعيد إلى هذه المدينة الزاهرة الأمان والسلام. وقد جئت لأطلع على رأي اللجنة في الموضوع." أجابه رشيد الحاج ابراهيم باسم اللجنة: "إن اللجان القومية بمثابة فروع للهيئة العربية العليا تعمل برأيها وتوجيهها، وقد أقسمنا اليمين على العمل بموجب قانون اللجان الذي يربطنا بالهيئة في جميع الأمور السياسية ... وأن أمر إعادة الهدوء والأمن والسلام لحيفا أمر سياسي من حق الهيئة العليا وسماحة رئيسها فيه، وقد بدأنا نحن العمل على تعكير هذا الصفاء والأمن بناء على دعوة الهيئة العليا، لذلك فإن العمل على خلق الهدوء يتعارض مع السياسة العامة ... وإن مهمتنا تنحصر في الاستعداد ... والإجابة على كل عدوان". وأعلمنا الحاج طاهر قرمان القرارين التاليين:

1. رفض اللجنة [القومية] صدور بيان عن لجنة بلدية حيفا التي تمثل العرب واليهود بالعودة إلى الهدوء والسكينة.

2. رفض اللجنة [القومية] الدخول مع رئيس لجنة البلدية اليهودي في أي بحث عام أو خاص.20 وبعد أن فرغ كاتب المذكرات من ذكر هذا الموقف، ينتقل مباشرة لشرح الأفضلية الإستراتيجية لمواقع الأحياء اليهودية المرتفعة والتي شكلت ثكنات عسكرية للهجوم على الأحياء العربية ذات المواقع المنخفضة والمكشوفة كليا على القناصة اليهود. وكأنه يعتذر بهذا عن عدم استطاعته فتح باب التفاوض مع رئيس البلدية لينقذ المدينة وسكانها من المصير المحتوم. وبعد أن فرغ من ذلك الوصف، ينتقل مباشرة لرسم صورة أكثر سواداً من سابقتها. هذه الصورة تتعلق بالسلاح الذي وصل لحامية حيفا العربية. وكونه مسئولا عن شراء السلاح لحيفا، جمع الأموال وأجرى الاتصالات مع رئيس الجمهورية السورية للحصول على السلاح. ويشتكي رشيد من أن الكثير من الأسلحة التي اشتراها للدفاع عن حيفا، غالبا لم تصل إليه، بل وزعت من دون علمه على المناطق القروية التي لم تنضم لحامية حيفا. وحصل ذلك "بناء على أمر من رئيس الهيئة العربية العليا". وفي مواضع أخرى يروي كاتب المذكرات حوادث تتعلق بالسلاح الفاسد الذي أرسلته الهيئة العربية العليا لحيفا بدلا من الأسلحة الحديثة التي كان يدفع ثمنها. ويلخص تذمره من تلاعب الهيئة العربية العليا ورئيسها بمصير المدينة بقوله: "هذه صفحة تتعلق بالسلاح، ومن الأمانة حفظها للجيل الحاضر والمقبل من أبناء هذه الأمة."21

لم تكن قضايا السلاح الفاسد وقلته وعدم وجود محاربين مدربين إلا وجهاً واحدا من إشكالية الوضع في حيفا. ومما زاد من خطورة الموقف أن المجموعات المسلحة التي عملت في حيفا لم تنضوي ولم تتبع جميعها لقيادة واحدة. فبالإضافة للمجموعات التي عملت تحت قيادة اللجنة القومية، عملت مجموعات أخرى بإيعاز من رئيس الهيئة العربية العليا. وهذه الفوضى نتج عنها حالات ألفت فيها بعض العائلات مجموعات مسلحة تعمل بإمرتها وتحمي مصالحها. ووصلت حالة الفوضى هذه إلى حد الاشتباك ما بين الفرق العربية المختلفة وما بين أنفسها.22 وفي هذا المجال يذكر كاتب المذكرات حالة الصدام التي كادت أن تحصل ما بين فرقة المقاتلين التي أرسلتها الهيئة العربية العليا بقيادة الضابط العراقي عبد الحق العزاوي الذي أراد أن يعمل مستقلا في حيفا وما بين قيادة حامية حيفا. "ولما ظل عبد الحق متمسكاً بإرادته أنذرته إما أن يخرج في صباح اليوم التالي من حيفا ... وأما نضطر في حال عدم موافقته إلى تجريده من سلاحه مع جميع رجاله ... إذ لو ركب رأسه وأصر على تنفيذ الأوامر المسندة إليه لوقعنا في شر كان خطب اليهود أقل منه خطراً".23

وفي ظل الفوضى التي يصورها كاتب المذكرات، قامت القوات اليهودية بمجموعة من الهجمات المنظمة ذات الأبعاد الإستراتيجية، مثل الهجوم الكاسح الذي جرى ببداية كانون أول 1948 على بلد الشيخ وحواسه الواقعتان على الطريق الرئيسي الواصل بين حيفا-الناصرة-عكا. وكان من نتائج هذا الهجوم مقتل أكثر من خمسين عربي و"جلاء العرب التام عن [قرية] حواسة ونزوح عدد كبير من سكان بلد الشيخ للشعور السائد بأن وسائل الدفاع العربية عاجزة عن حماية الأرواح في حالة قيام الأعداء بأعمال عدوانية."24

ازدادت الهجمات اليهودية عنفا خلال كانون ثاني 1948، ونتج عن ذلك أكثر من سبعمائة شهيد وجريح عربي. وفي هذا الظرف بالذات بادرت القيادة الصهيونية بواسطة المحامي يعقوب سلومون لطرح مبادرة لوقف إطلاق النار في المدينة وإعلان حيفا مدينة مفتوحة "حتى تتجلى الثورة العربية العامة على قرار التقسيم ويعلق مصير حيفا على النتيجة النهائية التي ستنجلي عنها هذه الثورة العامة".25 هذه المبادرة جاءت بضغط من السلطة الانتدابية التي سعت للحفاظ على المنشآت الإستراتيجية في المدينة مثل معامل تكرير البترول. قررت اللجنة القومية، بسبب جدية الأوضاع وخطورة الموقف، إيفاد وفدا خاصا للقاهرة لمقابلة المفتي وشرح المبادرة وأوضاع حيفا الخطرة. وعاد الوفد المشكل من سيادة المطران حكيم والشيخ عبد الرحمن مراد مساء يوم 27/1/1948، يحملون إجابة المفتي: "رفض أي فكرة لوقف إطلاق النار والصمود في وجه الأعداء بسلاح الإيمان حتى النصر المحتوم".26

وعلى الرغم من معارضة المفتي، وافقت اللجنة القومية في حيفا برئاسة صاحب المذكرات إصدار بيان وقف إطلاق النار يوم 29/1/1948، والذي أصبح موضع انتقاد شديد وجه للجنة القومية "من الإخوان الوطنيين المتصلين بالهيئة العليا في يافا ونابلس". ويعلق رشيد الحاج ابراهيم على ذلك بقوله: "في رأيي أن النقد لم يكن في محله ... فإن مصلحتنا كانت تلزم إصدار مثل هذا البيان حتى نتمكن من جمع جثث شهدائنا ومن إسعاف جرحانا الذين ضاقت بهم المستشفيات وعيادات الأطباء في المدينة وحتى نستكمل وسائل دفاعنا ومع ذلك فإني أترك الحكم بصحة رأيي أو خطئه للتاريخ."27

نتيجة للخلاف الواضح في مواقف المفتي وصاحب المذكرات، ظهرت عناصر عسكرية جديدة تعمل في حيفا غير خاضعة للقيادة المحلية. "هذه العناصر ... أخذت تقوم بأعمال فردية ... ومن هنا كان المنفذ لفقدان سيطرة اللجنة [القومية] على الموقف ... فصارت [الحامية المحلية] تكره على خوض معارك مع اليهود في أوقات لم يكن فيها بمستودعاتها من سلاح وعتاد ما يكفي للصمود ساعة أو بعض الساعة". وكانت مسؤولية ذلك "تقع على عاتق أولئك النفر الذين دأبوا على العمل من وراء الحدود بوحي من مصالحهم وشهواتهم وأغراضهم".28 هذه الحالة زادت الإرباك في الشارع العربي مما أنتج شعور بغياب القيادة فأصبحت البلد في حال من الفوضى. واستغلت القوات الصهيونية هذا الحال بأن كثفت من هجماتها خلال شباط 1948على الأحياء العربية. واشتدت حركة النـزوح العربية عن حيفا بشكل مخيف، فأفرغت العديد من الأحياء من سكانها العرب "وأن معظم التجار ... من أبناء البلد نفسها قد ولوا الأدبار وهربوا من الميدان هرب الجبناء".29

وفي هذه المرحلة الدقيقة وبعد أن بدا واضحا مصير المدينة، يشير صاحب المذكرات الى قيام القيادة الصهيونية، بواسطة المحامي دافيد ليفشيتس الذي عين حاكما عسكريا لمدينة حيفا بعد سقوطها، بالقيام بمبادرة في أواخر آذار 1948 للإعلان عن حيفا مدينة مفتوحة ووقف القتال فيها. تمت المقابلة بين ليفشيتس وصاحب المذكرات في دار القاضي أحمد الخليل. "واقترح التفاهم على اعتبار حيفا مدينة مفتوحة هذا المطلب الذي تكرر منذ بداية الحوادث على لسان زعمائهم وقادتهم والذي كان رأي المسئولين[العرب] بشأنه معروفاً".30 ويفسر رشيد الحاج إبراهيم، وربما بسذاجة مقصودة، أن دافع القيادة الصهيونية لهذه المبادرة "كان ... الخوف من المستقبل الذي كان ينذر بعاصفة عربية تقتلع اليهود من جذورهم هو الذي حملهم على التماس المخارج ودفعهم إلى ألتفكير بمثل هذه المحاولات".31 وبعد أسبوعين من هذا اللقاء سافر رشيد الحاج إبراهيم للقاء المفتي في القاهرة ليشرح له خطورة الموقف. لكن، وكما ذكرنا سابقاً لم يتسن لصاحب المذكرات الرجوع لحيفا، التي سقطت أثناء قيامه بمهمات خارج الوطن. ويوجز صاحب المذكرات صدى سقوط المدينة من خلال ما كتبته جريدة الحياة ألبيروتية في 24/4/1948: "إن سقوط حيفا هو عبرة لنا إنه دليل على إجرام العقلية التي أدار بها ساسة العرب قضية فلسطين إنه دليل على قصر نظرهم وعجزهم وجبنهم والموت للجبناء".32

الهوامش:
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
زائر
زائر
Anonymous



من خذل حيفا في حرب 1948 - حمود يزب Empty
مُساهمةموضوع: رد: من خذل حيفا في حرب 1948 - حمود يزب   من خذل حيفا في حرب 1948 - حمود يزب Ouo10الثلاثاء يناير 04, 2011 7:54 pm

دراسه كتير خطيره , وبتوضح امور عديده كنا غافلين عنها

شكرا الك توفيق موضوع ودراسه مهمه
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
من خذل حيفا في حرب 1948 - حمود يزب
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» موجز تاريخ حيفا بقلم: إيريس بار
»  حيفا
» حيفا
»  حيفا
» أجل إننا عائدون إلى حيفا

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
مركز الوسيلة الثقافي :: دائرة المعارف :: ذاكرة التاريخ-
انتقل الى: