خلال الاحتفال في رأس السنة (هيثم الموسوي)
التعاون الرباعي الاستراتيجي: ليس كل ما يشتهيه الوزراء تقرّره الحكومات
لبنان وسوريا والأردن وتركيا... وفضاء التعاون السياحي. إنّه عنوان الخطوة الأولى لتنفيذ رؤية استراتيجيّة لهذه البلدان التي تضمّ 110 ملايين نسمة، وهي استراتيجية أقرّت بوجوب استغلال اللحظة الإقليميّة السياسيّة ـــ الاقتصاديّة المناسبة لتحقيق ما هو مفيد لها (ولمن يريد!)، والخروج من دوّامة الحديث التقليدي عن «ضرورة التعاون». الرهانات كبيرة ولبنان يطمح إلى الكثير رغم وضعه الهش في المعادلة الإقليميّة
حسن شقراني
شهد حزيران الماضي اجتماع وزراء خارجية أربعة بلدان شرق أوسطية للتباحث في إمكان التعاون الاستراتيجي في 4 قطاعات أساسيّة: الطاقة، السياحة، التجارة والنقل. وحدّد هؤلاء خطوطاً عريضة لمؤتمرات ولقاءات مقبلة تهدف إلى تحقيق الازدهار في تلك القطاعات من خلال رفع التعاون إلى مستويات جديدة.
تلك البلدان كانت تركيا وسوريا والأردن ولبنان. وقد استضافت بيروت، أمس، أوّل مؤتمر مشترك لها تمحور حول السياحة البينية وكيفيّة تطويرها من خلال الخطط الرسميّة والتعاون مع القطاع الخاص.
فبحسب الوزير المضيف، فادي عبود، تجمع بين تلك البلدان «روابط تاريخية عريقة وعلاقات سياسية مميزة ومصالح اقتصادية واسعة»، ومن الطبيعبي أن تكون السياحة في أولوية التعاون المنشود، بعدما خطت البلدان خطوة أولى بإعلان إلغاء تأشيرات السفر بينها.
والواقع هو أنّ القطاع السياحي يمثّل جزءاً مهماً من اقتصادات تلك البلدان، تتراوح حصّته بين 10% و40% من ناتجها. ولذا فهو يمثّل «أداة للتطور والبناء، إضافة إلى كونه ركيزة أساسية للتنمية الوطنية»، على حدّ تعبير الوزير عبّود. «من هنا ضرورة وضع استراتيجيات مشتركة تعزز استفادة دولنا من حركة السياحة الدولية، واستقطاب الوفود السياحية، والترويج المشترك للإقليم السياحي المشترك، وصولاً إلى مقصد سياحي موحّد، إضافة إلى تبادل الخبرات، وتعزيز الاستثمارات المتبادلة».
ويعني عبّود بالمقصد السياحي الموحّد تمكين السيّاح الأجانب من زيارة كل البلدان بمجرّد حصولهم على تأشيرة سياحيّة إلى واحد منها. كذلك يعني تبادل الخبرات وخلق آليّة تواصل للتعلّم من تجارب الغير. فتركيا، البلد الرائد سياحياً الذي استقطب في العام الماضي حوالى 27 مليون سائح (ما يمثّل 38.5% من مجمل سكّانه)، «تضع مؤهلاتها السياحية في تصرّف الدول (الثلاث الأخرى)» وفقاً لوزير سياحة هذا البلد الآسيوي ـــــ الأوروبي، أرتغرول غوناي.
وعندما تتحدّث تركيا عن الخبرات، فهي تعني ما تقول: من بين أفضل 100 فندق في العالم هناك 20 فندقاً في تركيا، والبلاد تحوي حوالى مليون سرير فندقي، والقدرة الاستيعابيّة للقطاع من حيث المؤهلات تساوي ضعف الأرقام المحقّقة حالياً.
وكما الحال في بلاد أتاتورك، الأوضاع جيّدة أيضاً في البلدان الأخرى للمجموعة: لبنان حقّق رقماً سياحياً قياسياً في العام الماضي بتجاوز عدد السياح عتبة مليوني سائح، وسوريا تنوي إضافة 80 ألف غرفة فندقيّة خلال السنوات الخمس المقبلة، والأردن ماض بثبات في قطاعه السياحي المتنوّع أيضاً.
هذا الوضع يخلق زخماً في هذه اللحظة من تاريخ تلك البلدان والمنطقة، ويجعل التعاون السياحي «إحدى أهم المبادرات»، على حدّ تعبير وزير السياحة الأردني زيد القسوس.
وعبّر فادي عبّود عن هذا الأمر في حديثه إلى «الأخبار» بالقول: «ما كل ما يشتهيه وزراء السياحة تقرّره الحكومات». وهو يعني بذلك أنّ «الورقة التنفيذيّة النوعيّة» التي سيُقرّها المجتمعون اليوم ستحمل أولويّة على جدول رؤساء حكومة البلدان الأربعة في لقائهم المرتقب في 25 من الشهر الجاري. ويشدّد على أنّ «الظرف الإقليمي والسياسي والاقتصادي كلّها قابلة لتثبيت اتفاق إقامة إقليم سياحي موحّد للبلدان الأربعة».
على أن يبقى الأهمّ، بحسب الوزير عبّود، ليس فقط حلّ المشاكل التي لا تنحصر بخلل في فرض رسوم المغادرة عبر المطار، بل تأسيس قاعدة «التسويق لمنتج مشترك».
فالتسليم بأنّ بلداناً تكتنز المقوّمات السياحيّة الخام، بدليل تجاوز نموّ هذا القطاع فيها المعدّل المسجّل عالمياً في العام الماضي والبالغ 4% تقريباً، يعني الذهاب إلى أبعد من مذكّرات التفاهم الرسميّة التي تبقى في الأدراج.
وممّا علمته «الأخبار»، تمحور جزء مهم من النقاش الذي دار بين المسؤولين الرسميّين والقطاع الخاص حول الرحلات الجويّة بين البلدان الأربعة وكيفيّة جدولتها، إضافة إلى مسائل أخرى خاصّة بتنسيق النشاطات السياحيّة (استضافة فرقة الروك الإيرلنديّة «U2» في تركيا مثلاً قد يعني أنّ الحضور سيكون من كل البلدان الأخرى!).
وبحسب نائب مدير شركة «خطوط الطيران التركيّة» (Turkish Airlines) لشؤون منطقة الشرق الأوسط، ألتان بويوك يلمظ، «منطقة الشرق الأوسط هي الأسرع نمواً مقارنة بالمناطق الأخرى بهوامش واسعة» في القطاع السياحي، «وهي تكتنز أكبر مقوّمات نموّ». والتعاون بين بلدانها الذي بدأ بإلغاء التأشيرات تُرجم مباشرة معدّلات أعلى للرحلات البينيّة.
أمّا المشكلة التي تبقى موجودة، فهي أنّ البلدان «لا تسوّق لنفسها على نحو جيّد». فتركيا تزداد ثراءً ويتزايد عدد الذين يرغبون (ويقدرون) في السفر وتمضية الإجازات في الخارج. وهم يختارون الأماكن التي لا تتطلب الحصول على تأشيرات.
وفي هذا الإطار ،«على لبنان أن يروّج لنفسه سياحياً ويقول مثلاً إنّه بلد مميّز لتمضية عطلة نهاية الأسبوع، أو بلد جيّد لسياحة العائلات، حيث لم يعد منطقة حرب بل واحة سلام»، يتابع يلمظ. وفيما يمكن توقّع معدّل نموّ مستدام للسفر جواً في المنطقة بحدود 25% سنوياً، يبقى هناك خلل آخر خاص بأسعار التذاكر التي تمثّل الرسوم والضرائب منها 50% أو أكثر في بعض الأحيان.
ولكن إلى ذلك كلّه، تبقى المشكلة الأكبر بالنسبة إلى لبنان مقوّماته الداخليّة الإجماليّة لاستيعاب أعداد متزايدة من السيّاح. وعلى رأس تلك المقوّمات تبرز البنى التحتيّة التي عانت من ترهّلها البلاد كثيراً، وتؤدّي في ساعة «الازدحام السياحي» إلى ازدحام وطني على الخدمات العامّة.
باختصار، تزداد حصّة السياحة من الاقتصاد ككلّ (مع تقلّص في قطاعات أساسيّة أخرى)، ويوظّف القطاع حوالى 40% من اليد العاملة، وتسعى الوزارة المعنيّة إلى تطوير السياحة اللبنانيّة لتُصبح على مدار السنة ولكل الفئات. ومن الأهميّة بمكان أن تُستثمر اللحظة الحالية لتحقيق قفزة تترافق مع نظرة جدية إلى الاستثمار في مقوّمات البلاد وجعلها أكثر استدامة (سياسة البناء والتطوير، السياسة البيئيّة، إضافة طبعاً إلى السياسة السياحيّة العامّة...).