الكلام عن الضفادع والحديث للبشر..
هذه مقالة كتبها
د.
أحمد خيري العمريتتحدث عن واقعنا الحالي
.... انا قرأتها واستمتعت جدا بقرائتها
رااقت لي كثيرا بتمنى من الكل قرائتها
.. الكلام عن الضفادع والحديث للبشر..(في تجربة علمية معروفة
، يتم اختبار درجة تحمل الضفادع في حوض ماء عبر زيادة بطيئة وتدريجية لدرجة حرارة الماء
.. الضفادع يمكن لها أن تقفز من الحوض متى ما شاءت
.. لكنها تتحمل ارتفاع درجة الحرارة إلى أن يصل لدرجة الغليان
.. وتموت جميعا دون أن تحاول الخروج
)عندما شعرت الضفادع بأن الحرارة ترتفع قليلاً
… تذمر البعض
.. وحاول البحث عن سبب لهذا
.. سارع حكماء الضفادع إلى القول إن هذه الأمور تحدث في كل مكان
، وإنها جزء من طبيعة الأشياء.. وإن كل بحيرات العالم ومستنقعاته تمر بهذا.. فهدأت أغلب الضفادع وقررت الصبر واستخدمت آلياتها الداخلية للتأقلم مع الوضع الجديد
.. ومع الوقت تعودت جميعا على درجة الحرارة الجديدة
.. صار الوضع الجديد بيئتهم التي تأقلموا عليها
..لكن مقياس الحرارة كان يرتفع باستمرار
.. ببطء شديد يجعل البعض غافلين عن ذلك
.. لكنه كان يرتفع
.. يرتفع ويرتفع
..كان هناك بعض المتذمرين بطبيعة الحال
.. خصوصاً مع تسرب أنباء عن وجود أنبوب تسخين يسيطر عليه البعض ويتحكّمون في درجة حرارته
.. لكنّ التذمر لم يكن يغيِّر شيئاً
.. كان على الحياة أن تستمر
..كان على الضفادع أن تستمر بحياتها
.. وتحصيل قوتها
..هذا الارتفاع بدرجات الحرارة كان غير محسوس بفضل آليات الصبر والتأقلم التي تستخدمها الضفادع، لكنه كان يجعل الحياة أكثر صعوبة
.. كانت بعض الكائنات الحية التي تعيش الضفادع عليها قد هجرت المستنقع
.. وأخرى صارت تموت قبل أن تبلغ الوزن الذي يجعلها مناسبة للضفادع
..نسبة واحد في المائة من الضفادع كانت قد تمكنت من الانتفاع من هذا الارتفاع الذي يحدث في البحيرة
.. صارت تستورد من الخارج موادَّ تساعد الضفادع على التأقلم والانتعاش
.. تنوعت هذه المواد في أجهزة تكييف ومواد مخدرة ووسائل تسلية
..كلها كانت تزيد من انتفاع المنتفعين ومن فقر الضفادع ومن تعودها وتأقلمها على الوضع القائم
..لاحقاً عُرِف أن هؤلاء المنتفعين أنفسهم هم الذين يسيطرون على أنبوب التسخين أو يوفرون له الحماية على الأقل
.. كان الأنبوب يمر عبر قصر الضفدع الأكبر
.. وكان يتحكَّم به بطريقة أو بأخرى
..بعد بضع سنوات اكتشفت بعض الضفادع المتذمِّرة أن درجات الحرارة قد تضاعفت مرتين
.. أخافهم ذلك على المستقبل
.. وزاد من تذمرهم
..أعدَّ البعض دراسات وإحصاءات تقول: إن الارتفاع لو استمر فإن درجة حرارة المستنقع ستصل لدرجة الغليان، وإن الضفادع ستُسلَق للموت إن استمرت في التأقلم إلى ما لا نهاية
..اهتمّ الكثيرون بما قيل
..وزاد التذمر قليلا وارتفعت أصواتهم قليلا
..لكن الواحد في المائة أكدت أن الدراسة منحازة وأن الوضع تحت السيطرة والأمور بخير
..أكّد حكماء الضفادع ذلك أيضا وقالوا: إن الصبر على ارتفاع درجات الحرارة هو مفتاح التأقلم الحقيقي
.. كما قالوا إن سبب تغير البيئة الحقيقي هو سوء أخلاق الضفادع
.. وإن عليهم أن يحسّنوا أخلاقهم قليلاً لكي تتحسَّن درجة حرارة الماء تدريجيا
..اقتنع البعض وحاول ذلك فعلاً
.. لكن كان من الصعب تحقيق ذلك في ظلِّ الارتفاع المستمر لدرجات الحرارة
.. لم تسهم محاولتهم عملياً في تحقيق هذا الاختلاف في البيئة
.. كان البعض منهم مقتنعين أن ذلك لم يحدث لأن البعض الآخر لم يحسِّن أخلاقه
..تسلَّلت بعض الضفادع على أطراف أصابعها، وخرجت من المستنقع
، وهاجرت إلى مستنقعات أخرى بظروف معيشية أفضل
..لكن الغالبية الساحقة استمرت في التأقلم
.. استمر انتفاع المنتفعين وتضاعفت ثرواتهم
..واستمر إفقار الفقراء
.. وزادت درجات الحرارة ارتفاعاً
.. تأقلم الناس حتى مع التذمر
..صار التذمر جزءاً من طقوسهم اليومية
.. واكتشف الواحد بالمائة أن للتذمر فوائده في التنفيس وبالتالي في سرعة التأقلم
..لذا سمحوا به بعدما كانوا قد منعوه لفترات طويلة
.. وعدوا ذلك تقدما في مواصفات العيش في المستنقع
..مع الوقت، بدأت آليات التأقلم لا تتحمل الارتفاع
.. فظهرت الجريمة وزاد الفساد
.. وانتشرت المخدرات أكثر من قبل
.. وعمّ الخراب في كلّ شيء
..رغم ذلك
.. زادت ثروات المنتفعين
.. وقاموا بتأجير المزيد من الضفادع التي تنقّ طول الوقت لتؤكّد أن الأمور بخير وأن هذا الوضع عام في كلّ مكان
، وأنه جزء من الأزمة العالمية التي تمرّ بها الضفادع
..ظهرت أمراض جديدة لم تكن معروفة من قبل
... زاد الإدمان حتى وصل لصغار الضفادع
.. اضطر الفقراء للعمل فيما كانوا يستنكفون منه سابقا
..جنح بعضهم للتسول وآخرون باعوا أعزّ ما يملكون فقط للبقاء على قيد الحياة
... وبلغت ثروات الواحد بالمائة أرقاماً فلكية
.. حتى قيل إنهم قد صاروا من أثرى الأثرياء في عالم الضفادع في كلّ مكان
..وكانت الحرارة لا تزال ترتفع ببطء
.. ببطء شديد
..
****************
قررت بعض الضفادع ذات يوم أنه لم يعد بإمكانهم الاستمرار في ذلك
.. بل قرروا أنه لم يعد بالإمكان الاستمرار في ذلك لأيّ أحد
.. وإن آليات التأقلم بمختلف أشكالها قد ساعدت في إيصال المستنقع إلى نقطة سيصعب معها العودة
.. قرروا أن المستنقع سيغلي قريباً
.. وأنهم سيموتون جميعاً إن استمروا بالتأقلم مع لا يجب التأقلم معه
.. قرروا أن الصبر على هذه الحال لن يكون مفتاحاً إلا للدمار القادم لا محالة
. .قرروا أن التذمر لم يعد ينفع
.. وأنه لا بد من عمل شيء
...لا بد من الثورة..
*************تجمعوا ليقولوا ذلك
.. ليخبروا الناس جميعهم أنهم سيُسلقون حتى الموت إن لم يقفوا ليثوروا على ارتفاع درجات حرارة الماء
.. حاولوا عدة مرات
.. فشلوا في المرات الأولى
.. كانت استجابة الناس ضعيفة لأنهم تعودوا على ما كانت الضفادع تنتقده
.. والبعض كان موافقاً على ما يقولون لكنه كان قد آمن أنه لن يحدث شيء يمكن أن ينتج عن هذه الثورة
.. البعض خاف من بطش الواحد بالمائة
.. البعض هزّ كتفيه بلا مبالاة
.. لم يكن الأمر يعنيه
..لكن قلة الاستجابة لم تحبطهم
.. بل استمروا يقولون ويبلغون
.. استمروا يوضّحون حقيقة أنه لا يمكن الاستمرار في الغليان البطيء الذي لا يشعر به أحد
..
*************وبالتدريج شعر الكثيرون بصواب ما قاله هؤلاء
.. وانضموا إليهم أفواجا
..أفواجٌ قررت أن تكفَّ عن التأقلم والصبر وتصيح مطالبة بوقف الموت البطيء
..زحفت الجموع للقصر حيث يختبئ أنبوب التسخين
.. تريد إزالته وتحطيمه
.. حال المنتفعون وبعض أجرائهم لمنع ذلك
.. قُتِل بعض الثوار
.. وسالت الدماء
..استمرّ الثوار في ثورتهم
..اعتصموا وحاصروا وزحفوا
.. قالوا
: إنه لا بد من إزالة أنبوب التسخين قبل كل شيء
..لكن المنتفعين دافعوا عن الأنبوب بشتى الوسائل
..كان بقاؤهم وبقاؤه مرتبطين سوية
..انضم بعض الحكماء إلى الثوار
.. قالوا إن الحكمة تقتضي أن يُفعَل شيء تجاه ما يحدث
.. لكن آخرين منهم وقفوا مع المنتفعين
.. قالوا
: إن المصالح العامة تضررت، والأعمال تعطّلت، وإنه يجب الكفّ عن الثورة ومواصلة الحياة كأن شيئا لم يكن
.. قال آخرون منهم
: إن الثورة اعتراض على الحكمة الآلهية في توزيع الثروات
... وكان هناك حديث عن “
أجندات خارجية” عند الثوار للتسبب في إحداث الفوضى
..جعل هذا الحديث بعض المتضامنين مع الثوار ينفضّون
.. قالوا
: نريد أن نرجع إلى وظائفنا وحياتنا السابقة
.. لقد تعودنا عليها
.. وهي أفضل من هذه الفوضى بكل الأحوال
..كاد ذلك أن يجهض الثورة
.. ولكن الثوار تمكّنوا من الصمود
.. واستطاعوا أن يزيلوا أنبوب التسخين ويحطّموه
..لم تكن الأمور سهلة كما توهّم البعض
.. فقد عمّت الفوضى في البداية
..وانخفضت درجة حرارة الماء بسرعة شديدة مما جعل الضفادع تشعر أن ما تأقلمت عليه كان أفضل
..لكن خطر الموت غلياناً كان قد زال
..(
عن الحقيقة والواقع بتصرف بسيط في النهاية)
**********في التجربة العلمية التي أُجريت لم تثر الضفادع، ولم تهرب من الحوض
.. بل صبرت وتأقلمت وفضلت عدم الخروج حتى سُلِقت حية
.. وماتت جميعها
...ليس ذلك غريبا على الضفادع فالتغيير كان تدريجياً جدا بالنسبة لها
..وإدراكها عجز عن ملاحظة التغييرات الحاصلة على فترات متباعدة
..
لكن الغريب أن بعض البشر يصرون على سلوك مسلك الضفادع..
بعض البشر يصرون أن يكونوا أسفل سافلين..أن يكونوا ضفادعَ..
والمغزى بعتقد الكل عرفوا