للكتابة طقوسها وللإبداع وقته وللأفكار دوافعها... ولكلّ مبدع زمنه الذي ينتظره مع شروق كلّ شمس وغروبها. يبقى هناك اعتقاد سائد يسكن مخيلتنا عن أنّ صورة الروائي والشاعر والكاتب عموماً لا تكتمل إلاّ في الليل الذي يمنحه صفاء الذهن والسكون والتأمّل... ولكن ما مدى صحّة هذا الإعتقاد؟ ومتى يكون الكاتب كائناً نهارياً أو ليلياً؟
أمل الفاران (روائية سعودية):أنا كائنة نهارية من قبل صياح الديك
قالت لي صديقة عزيزة مرة: أنت عصفورة، وأنا بومة متى نلتقي؟ كانت تعرف أن نشاطي كلّه مُرتهن بالشمس، أشرق مع سناها، وأكتب وأعمل، فإذا الليل أضناني سكنت خواطري وخفت نشاطي كله.
ففي سنوات صباي الأولى كانت الإجازات الطويلة مشكلة لأهلي، فأنا أستيقظ قبل ديك أمي الوحيد وأتفنن في إيقاظ البيت كله. إذاً أنا كائن نهاري بامتياز، أكتب في الصباح رغم أنني أعمل أيضاً، لذا كانت قصصي القصيرة مختومة بخاتم الخميس الباكر. ومعظم قصصي الأولى كانت تحتوي على بعض العبارات التي تدلّ على العلاقة القوية التي تجمعني بالنهار بحيث تجدين: «استيقظت في الصباح الباكر» أو «استيقظت باكراً»... فهي سمتي الشخصية وكنت أسم بها الشخصيات التي أكتبها.
وهنا سأروي لك حكاية عن روايتي الثانية «كائنات من طرب». استيقظت صباح خميس جميل، ووجدت رجلاً وامرأته يتجادلان بعنف في رأسي، كانت سرعتهما في الحديث أكبر من أن أجاريها في التسجيل على الكمبيوتر فبدأت أكتبهما في دفتر قديم. حسبتها قصة نموذجية جاءت كاملة لكني بعد اثنتي عشرة صفحة أغلقت دفتري برعب، عرفت أني أكتب رواية وأن الغد قادم/ العمل قادم، وقد تفلت مني إن جزأتها من خميس لخميس، ولن أستطيع الكتابة في البيت/ في الليل، صباح السبت كنت أقدم إجازة استثنائية من العمل وأتفرغ للكتابة. لذا أستطيع أن أقول بثقة أنا كائن نهاري جداً.