ناجي العلي وحنظلة يعودان إلى "سجرتهما"..

[img][/img]

ناجي العلي وحنظلة يعودان إلى "سجرتهما"..



رشا حلوة


هنالك قرى فلسطينية مهجرة تعرف عنها، وتعلمت على أيدي من هُجروا منها دروسًا في حب التراب، تعرف مكان تواجدها وكم كيلو مترًا تبعد عن مكان سكناك. لكن إن لم تكن زيارة مرتبة من قبل مجموعة إليها فنادرًا ما تبادر بأن تذهب لزيارتها. أو إن لم تكن هذه القرية التي هُجرا منها جدك وجدتك، فلن تزرها مرة كل عام على الأقل.
بدعوة من مجموعة "اللجون"، ذهبنا أنا وأهلي يوم السبت الماضي 07/9/15 إلى قرية "السجرة". قرية تقع على بعد 16 كم جنوب غرب بحيرة طبريا، بعد مفرق مسكنة باتجاه مدينة العفولة، أربعون دقيقة من عكا إليها... لكن قبل كل هذه المعلومات، إنها قرية الفنان الفلسطيني ناجي العلي.
من ضمن سلسلة المشاريع التي تقوم بها مجموعة "اللجون"، اختارت المجموعة بأن تحيي ذكرى استشهاد ناجي العلي عن طريق إلصاق رسوماته على حجارة قرية "السجرة"، بالإضافة إلى بعض النصوص والقصائد التي كتبت لناجي العلي وعنه من قبل كُتاب وشعراء فلسطينيين وعرب.
التقيت بعضو المجموعة خالد كساب محاميد ليحدثنا عن المشروع.
*حدثني عن المشروع.. من أين أتت الفكرة؟

- ناجي العلي هو ابن قرية "السجرة"، وُلد قرب عين الماء ولعب بين ساحات بيوتها وتعلم في مدرستها وشارك في قطف الرمان والتين والتوت والزيتون من بساتينها. وربما استرق أول نظرة حبٍ إلى فتاة "شجرية" في حياته في منطقة "الصوَّانية" أثناء موسم الحصاد أو في معصرة الزيتون. إلا أنه عاش لاجئاً منذ التهجير عام 1948 متنقلاً بين عواصم الدول العربية، موظفًا روحه، قلبه وكيانه وحاملاً ريشته ليوثق فيهم حنينه ورغبته للعودة إلى "السجرة". اغتيل ناجي العلي في لندن يوم 22 تموز 1987 وتوفي يوم 29 آب 1987. وفي ذكرى اغتياله أردنا أن نعيده إلى "السجرة" من خلال إلصاق رسوماته على رجم حجارة البيت الذي وُلد فيه، وبذلك حققنا عودة "حنظلة" إلى "السجرة". بالإضافة إلى رسوماته قمنا بإلصاق نصوص، مقالات وقصائد لشعراء ومفكرين وقادة الشعب الفلسطيني بجوار رسوماته؛ نذكر منهم القائد محمد بركة الشاعر سميح القاسم. وشددنا على إلصاق قصيدة الشهيد عبد الرحيم محمود الذي استشهد في معركة "السجرة".
لم تأت فكرة المشروع من عبثيات القدر بل أن ملحمة الشعب الفلسطيني في صراعه مع وحشية الفكر الصهيوني هي التي أوحت لنا بأنه من واجبنا خلق شكلاً جديدًا يربطنا مع مكونات هويتنا الفلسطينية الجميلة. فكان صعود محمود درويش إلى حيفا قد ألهم فينا حب التواصل مع قرية "البروة" المهجرة فألصقنا قصيدة "أحن إلى خبز أمي" و "سجل أنا عربي" على حجارة بيت عائلته في القرية، وقصيدة الشاعر اللبناني حبيب فارس، القائم في استراليا، والتي نُشرت قصيدته في موقع الجبهة تحت عنوان "عناقيد تكره الحياة" تغزل من خلالها بالتين والصبّار الفلسطيني، فأوحى لنا بأن نقوم بزيارة "صفورية" المهجرة ونلصق قصيدته على التين والصبّار هناك.

* ما هو الهدف من وراء هذا المشروع؟

- سبعة ملايين من اللاجئين الفلسطينيين بمآسيهم الفردية والجماعية لهم الحيّز الأكبر والأهم في رسم مستقبل المنطقة. لهؤلاء اللاجئين قرى مهجرة وبيوت مهدمة وحجارة تحتضن بعضها في رجم تنتظر بسكينة الأمهات وحنان الجدات عودة المولود الجديد في مخيمات التشريد والكهل المعتق المشَّرد لتملأ موسيقى ضحكاتهم "حوش" البيوت برقص في أعراس وبكاء في مآتم وغناء عند الحصاد وهزج عند اللعب. ذهبنا لنوقظ هذه الحجارة والطرقات والأشجار والتراب والهواء ولنعلن له بأننا سنكتب أسماء سبعة ملايين من اللاجئين الفلسطينيين على تراب القرى المهجرة وما يحويه من مكوِّنات جنة فلسطين الأبدية لنعلن إيماننا بأننا على عهد تحقيق العودة لكل لاجئ مشرد في الأرض كافة الأرض.
* لماذا اخترتم قرية "السجرة"؟

- رأينا أن نتذكر أغنية "طفلة تمتطي قوس قزح /من مخيم إلى بلد مهجر / تصقله ماسًا لون وطن/ نفقًا لعودة اللاجئين وفراش المنفى /من شتات وتهجير" وأن نُدخل ناجي العلي في ذكرى مقتله العشرين إلى هذا النفق الماسي الممتد من مخيم "عين الحلوة" إلى بلده المهجر في "السجرة". فكان هذا ناجي وأبدية حبه لوطنه الذي كتب علينا أن نتوجه إلى صبّار وتين ورمان وزيتون "السجرة" ولم يترك لنا سلطان حبنا لوطننا أي مجال للاختيار. فكثافة وزخم المشاعر بين ما تمثله حياة ناجي العلي تسيطر على مجمل طاقتنا في تعاملنا مع ميراثه فصرنا من هول تجربة التواصل بين رسومات ناجي العلي وحجارة بيته كالمصعوقين والمشلولين من جمالية ذروة ما ينتجه العقل من أفكار، والقلب من نبضات، والروح من حب لتعطينا القوة الأبدية لنقف أمام أكبر الأهوال وإنه من أروع المشاعر وأشكال الحالات النفسية والعقلانية .وأنا بدوري أنصح كل قارئ بالقيام بزيارة الموقع ليشعر بسخافة الفكر الصهيوني وقوة الحب الفلسطيني لتحقيق العودة.
هل عندكم أي اتصال مع مهجّري قرية "السجرة"؟ الموجودون معظمهم خارج حدود فلسطين.
في الحقيقة نحن نقوم بهذه المشاريع على ما يتيسر لنا من وقت والإمكانيات، فنحن ندعو كل من له معرفة بأهالي قرية "السجرة" أن يتراسل معنا عبر موقع "الجبهة" أو موقع "اللجون" أو موقع "سراج" ليعطينا أسماء أهالي قرية "السجرة" من سلف وخلف، من أكبر الأجداد إلى آخر حفيد لنلصق أسماءهم على حجارة البيوت حتى تحقيق العودة.
* ما هي التقنية التي تستعملونها من أجل إلصاق الرسومات والنصوص على الحجارة؟ وهل هذه المواد مضادة للمطر والشمس وتبقى لمدة طويلة؟

- لقد أرشدتنا الفنانة إزدهار كساب لاستعمال هذه التقنية. في البداية اشترينا معدات لنقوم بالنقش والحفر على الحجارة لكن رأينا أن هذه التقنية في غاية الصعوبة، حيث أن هذه العملية مستهلكة للوقت. فنحن بهذه المرحلة نستعمل الحاسوب لطباعة الرسومات والنصوص على ورق خاص ونستعمل ثلاثة أنواع من الصمغ الأبيض القوي الذي يضمن بقاء الرسومات والنصوص رغم الشمس والأمطار ولكننا لا نستطيع أن نضمن حرارة الشمس وتأثيراتها وفقًا لرغباتنا.
هل كانت لديكم مشاريع مشابهة في قرى مهجرة أخرى؟

هنالك فكرة تراودنا بكتابة أسماء 7 ملايين من اللاجئين الفلسطينيين، كل على حجارة بيته وإقامة نُصب تذكارية للقرى المهجرة لتأكد تصميمنا على لعودة إلى كل القرى المهجرة. وكل حدث وطني له ارتباط بقرية مهجرة سنقوم بإبداع شكل من أشكال "الجنونيات الفلسطينية" هذه.
* هل كانت هنالك أية ردود فعل من قبل سكان كيبوتس "إلينيه" المبني على أراضي قرية "السجرة"؟

- كنا نلصق الرسومات وكان بعض الشبان من الكيبوتس يركبون التراكتورات ويحيطون موقع "السجرة" المهدمة. لكننا لم نجد مضايقات لأننا نشك بأنهم عرفوا ماذا نفعل. ولكننا متأكدون بأن هذا التقرير سيأتي بمتخذي القرار الهمجيين في إسرائيل إلى أن يزيلوا من الوجود حجارة قرية "السجرة" المهجرة كما فعلوا في مقبرة قرية "صفورية" التي أزيلت من الوجود عندما أراد أهالي "صفورية" الحفاظ عليها. وهذا امتحان!
* ما هي ردود فعل الناس بشكل عام حول هذا العمل؟ وهل كان تضامن فعلي أو معنوي تجاه عملكم؟

- عندما أرسلنا الصور الأولى لبعض الكتاب والشعراء وصلتنا نصوص مرهفة الإحساس، مليئة بتأجيجات حب الوطن وكنا نقرأها والدموع في أعيننا. الشاعر زياد محاميد قال بأن هذا عمل "مجانين" إلا أنه وجد نفسه قادمًا في المرة الثالثة لينضم إلى قافلة "الجنون"، المركب الأول للعمل الإبداعي وبدأ برسم "حنظلة" وكتابة اسم ناجي العلي بحجارة بيوت "السجرة".
* هل هناك أي دعم مادي للمشروع؟ وكيف يتم تمويل المواد المستعملة؟

- نحن نعتمد على تجربة "المهاتما غاندي" في تحريره لأراضي مقاطعة "تشامبران" من أيدي الإقطاعيين الإنكليز، عندما قال:"لا يمكن أن نمول نشاطنا السياسي الوطني إلا من تبرعات أصحاب الشأن". حتى أنه رفض تبرعات هنود منطقة "دلهي" لتمويل نضال هنود منطقة "تشامبران". وهذا موقف مبدئي لأننا نرى في أن النشاط الوطني الفلسطيني تحول في السنين الأخيرة إلى مشاريع تمويلية وليست جماهيرية وهذا هو حجر الزاوية في أزمة الفكر الفلسطيني والنشاط السياسي الفلسطيني العام. نقوم بتمويل شخصي من أموالنا الخاصة لأننا نؤمن بقدراتنا الذاتية والطاقة الكامنة بالرغبة في العطاء واستنفار ما في قوانا الذاتية كركيزة لنشاطنا الجماهيري. حبنا لبيوت أجدادنا هو الذي يمول لنا أعمالنا.
* ما هي رسالتكم من خلال هذا العمل؟

- مخيمات اللاجئين والقرى المهجرة وتحقيق العودة هي لب القضية الفلسطيني، والآلام التي تحيط بالنفس الإنسانية عند ملامسة جوهر الصراع المعتمد على جذرية أحقية الفلسطيني لاستعادة قراه المهجرة كفيلة بأن تجد مكانًا آمنا للجميع لليهود والفلسطينيين في فلسطيننا التاريخية، الجنة على وجه الكرة الأرضية. إرجاع الفلسطينيين بفكرهم ومشاعرهم إلى حقوقهم على بيوتهم المهجرة كفيلة بتأجيج الطاقات لبناء مشاريع سياسية خلاقة لحل الصراع المدمي بين الفلسطينيين والإسرائيليين.
* هل هناك مشاريع قادمة في قرى فلسطينية أخرى؟ وما هي؟

- حبة حبة، بيت النائب محمد بركة المهجر في قرية "صفورية"، بيت الشاعر محمود درويش في "البروة" وبيوت أهل "اللجون" المهجرة. لكن دعونا نخلق المفاجآت الجميلة وأن لا نكشف أوراقنا، فالإبداع يبدأ دائمًا بتفجيرات مشاعر في النفس لا يسيطر عليها العقل مسبقًا.
والأحداث السياسية كذلك تفرض علينا أجندتها. أتوجه باسمي وباسم المجموعة إلى كل من يهمه الأمر، أن يقوم بالاتصال بنا وأن يبعث لنا باقتراحاته. نحن بحاجة إلى مساعدة عينية في التعرف على القرى المهجرة وأهاليها.