«حديقة الغروب» بعد انفجار الفقاعة: بول أوستر في أد

الروائي الأميركي محتفظ بأسلوبه الجذّاب وتقنياته السرديّة. لكنّ عمله الجديد جاء ناقصاً، يتّسم بالسطحية والمباشرة والحشو. صاحب «ثلاثيّة نيويورك» بعد الأزمة على حافة «الإفلاس»؟
يزن الأشقر

تنبع مقدرة الروائي الأميركي بول أوستر (1947) على جذب القارئ، من أسلوبه المبنيّ على الخوض في سرديات العبث والمصادفة والوجود. يخوض الراوي في أعماله حياته وسط سرديات للتاريخ الأميركي والثقافة الأميركية الشعبية. شخصيات أوستر تتميز بالضياع الوجودي والمادي، بالحنين إلى شيء مجهول، وبالمعاناة الذاتية وسط أزمات المجتمع الأميركي الحديث.

لكن يبدو أنّ الكاتب النيويوركي ـــــ المولود في نيوجيرسي ـــــ بدأ يفقد ذلك الزخم الذي تميزت به أعماله الأدبية، سواء في مذكراته مثل «اختراع العزلة» (1982)، أو روائياً في «ثلاثية نيويورك» الشهيرة (1985)، أو في «موسيقى المصادفة» (1990).
في «حديقة الغروب»، عمله الروائي الأخير، نقع على علامات أوستر المميزة نفسها: شخصيات تعاني، علاقات مضطربة، كتب ودور نشر وبايسبول وسينما. لكنه يبتعد هذه المرة عن عوالمه الصعبة المألوفة. الأحداث تدور بين عائلة وأصدقاء تجمعهم المعاناة والمخاوف المختلفة، في عالم ما بعد انفجار الفقاعة الرأسمالية. الرواية مليئة بالسرد العاطفي والإنساني، في محاولة من أوستر لوضع تصور روائي لشخصياته في قلب الأزمة المالية. لكنّه يخرج في النهاية بأحد أضعف أعماله.
في تجربته الأولى مع شخصية رئيسية شابة ـــــ طالما حملت رواياته السابقة أصواتاً هرمة ومنهكة ـــــ تأتي هذه الرواية ناقصة، ولا تشبع القارئ النهم. هذا لا ينفي أن «حديقة الغروب»، تحتوي على ما يتطلبه الأمر للاستمتاع برواية، إذ يحافظ الكاتب على أسلوبه السردي ذاته، وإن لم يخل من بعض التكرار. أوستر هو أوستر، من دون شك، لكنه جاء ناقصاً، ضائعاً، يحاول جمع الخيوط العاطفية التي تربط شخصياته في معاناتها.
مايلز هيلر، بطل الرواية، شاب هرب من منزله في نيويورك في العشرين. وتنقّل خلال سبع سنوات من مكان إلى آخر، وصولاً إلى وظيفة في مجال «النفض»، أي إخلاء البيوت التي فقد أصحابها ملكيتها لصالح البنوك. هنا يصوّر ما بقي من حطام الأشياء والذكريات بكاميرته. يتعرف بعدها إلى بيلار ابنة السابعة عشرة. تجمعهما مصادفة غريبة: ينوجدان معاً في المكان ذاته، يقرآن الكتاب ذاته، فيغرمان أحدهما بالآخر، ويقرران العيش معاً... قبل أن تبتزّه شقيقته بتبليغ الشرطة عن علاقته غير القانونية بقاصر. عندها يعود أدراجه إلى نيويورك، ملبياً دعوة بينج، الصديق الوحيد الذي بقي على اتصال معه. يقيم في منزل مهجور مع مجموعة من الأصدقاء بطريقة غير قانونية، في منطقة «حديقة الغروب» في بروكلين.
إلى جانب مايلز وبينج، نتعرّف إلى آليس، الطالبة المفلسة التي تكتب بحثها عن «أميركا في ما بعد الحرب العالمية الثانية»، من خلال النصوص والأفلام، خصوصاً فيلم «أفضل أيام حياتنا». نتعرف أيضاً إلى إيلين، الفنانة المحبطة عاطفياً وجنسياً...
لكن إن كان القصد من عدم الخوض عميقاً في الشخصيات هو ترك مساحة للحديث عن المحور الرئيسي المفترض، أي الأزمة المالية، فإن ذلك لم يحدث أيضاً... بل جاءت الأزمة المالية خلفية باهتة للأحداث المحبوكة بنحو باهت.
من الواضح أن هناك فشلاً في التعامل مع الأزمات المختلفة التي يواجهها المجتمع الأميركي، سواء أدبي أو سينمائي. وأوستر، في روايته الجديدة، دليل آخر على أزمة المثقف الأميركي. محاولته بناء عمل روائي بأسلوب جديد اتسمت بالسطحية والمباشرة والحشو. في مقابلة مسجلة معه، نفى أوستر قول فيليب روث بأنّ الرواية تحتضر، فـ«البشر يحتاجون إلى السرد والخيال ليكونوا بشراً». قد يكون ذلك صحيحاً. لكن يبدو أن الرواية الأميركية تحديداً تحتضر... مثلما تبقى توجهاتها الجديدة مبهمة، مع بروز أسماء جديدة في فضائها مثل جوناثن فرانزن وكولسون وايتهيد.
في هذا الوقت، يبقى بول أوستر صامداً على جبهة الرواية، على الرغم من خسائره. في «حديقة الغروب»، يكتب رواية عاديّة... لكن بأسلوب يبقى قادراً على جذب القارئ.