ردّد اللبنانيون 'إيه في أمل'...
27 اكتوبر 2010
مايا الحاج - بيروت
في الليلة الثانية والأخيرة من «الليلتين- الحلم» التي أرادت فيروز أن تقدّمهما كهدية مفاجئة إلى عشّاقها، كان المطر ينهمر بغزارة على مدينة بيروت غير المؤهلّة لشتاء غزير أو حرّ شديد أوّل الغيث في هذا الموسم الخريفي.
الطرقات غرقت في ما يُشبه الطوفان رغم انقطاع المياه داخل المنازل... والسيّارات التي بات عددها يفوق عدد اللبنانيين أنفسهم ثبتت في أماكنها نتيجة الزحمة الخانقة في الطرقات... أمّا المواطنون المنشغلون كعادتهم في تعديل «الديجنكتور» بين كهرباء الدولة والإشتراك الخاص أعرضوا عن همومهم اليومية التي لا يمكن مُصادفتها إلاّ في وطن مثل لبنان، فأتوا من كلّ حدب وصوب على اختلاف انتماءاتهم وطوائفهم وفئاتهم العمرية والإجتماعية ليسرقوا من الزمن برهة تحيا في ذاكرتهم المُتخمة بمشاهد الحرب والموت والقتال لتُضيء حياتهم في أحلك الظروف وأصعبها.
وما إن أطلّت سفيرة النجوم وصدحت بصوتها الذي هزم بعذوبته جبروت السنين وطلّتها البهيّة التي زادتها الأيام وقاراً وهيبة، حتى تصاعدت النفوس من عالمها الأرضي الملتبس نحو عالم طوباوي حالم. والحضور كلّه تفاعل مع كلّ أيقاع وكلمة وحركة وصمت، وهو يعلم قيمة وجوده في قلب عالم أسطوريّ ساحر كانت «فيروز» ملكته الحاضرة و«زياد» بطله الغائب و«ريما» جنديّته المجهولة.
ومن غرابة الحياة ومقدرة فيروز الإعجازية، أصبح اللبناني- الغارق في يمّ اليأس نائماً وصاحياً على عبارة «الحرب آتية لا محالة» من فرط ما رآه ويراه- يصرخ بكلّ إحساسه وجوارحه «أيه في أمل»، وكأنّ حضور فيروز معه في ذلك الوقت بالذات منحه شحنة من الصبر والشجاعة لمواجهة آلامه بأمل أكبر.
فيروز نثرت بصوتها الملائكي على محبيّها من كلّ مكان سعادة وغبطة وشعوراً بالحبّ والرضا. كما أنّ اللبناني الذي ضاق ذرعاً بوطنه الغائص في همومه ومشاكله التي لا تنتهي والمغتاظ منه إلى حدّ الهروب أو اليأس زال توترّه الذي بات من سماته الطبيعية، وخرج من حفل أيقونته الساحرة وهو يُغنّي ويُردّد «إيه في أمل»... وإنما ليس في بلد يتقاسمه سياسيوه بل في وطن أنجب «فيروز»...